خطبة الجمعة القادمة 1 أغسطس : نِعْمَةُ الْمَاءِ مُقَوِّمٌ أَسَاسَ الْحَيَاةِ ، للدكتور محروس حفظي
بتاريخ 7 صفر 1447هـ ، الموافق 1 أغسطس 2025م

خطبة الجمعة القادمة
خطبة الجمعة القادمة 1 أغسطس 2025 م بعنوان : نِعْمَةُ الْمَاءِ مُقَوِّمٌ أَسَاسَ الْحَيَاةِ ، للدكتور محروس حفظي بتاريخ 7 صفر 1447هـ ، الموافق 1 أغسطس 2025م.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 1 أغسطس 2025م ، للدكتور محروس حفظي بعنوان : نِعْمَةُ الْمَاءِ مُقَوِّمٌ أَسَاسَ الْحَيَاةِ.
ولتحميل خطبة الجمعة القادمة 1 أغسطس 2025م ، للدكتور محروس حفظي بعنوان : نِعْمَةُ الْمَاءِ مُقَوِّمٌ أَسَاسَ الْحَيَاةِ، بصيغة word أضغط هنا.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 1 أغسطس 2025م ، للدكتور محروس حفظي بعنوان : نِعْمَةُ الْمَاءِ مُقَوِّمٌ أَسَاسَ الْحَيَاةِ، بصيغة pdf أضغط هنا.
___________________________________________________________
عناصر خطبة الجمعة القادمة 1 أغسطس 2025م بعنوان : نِعْمَةُ الْمَاءِ مُقَوِّمٌ أَسَاسَ الْحَيَاةِ ، للدكتور محروس حفظي :
(1) تذكرْ أنَّ الماءَ آيةٌ ومنّةٌ كُبرَى.
(2) سَقْيُ الماءِ مِن أعظمِ القرباتِ.
(3) “الماءُ” جندٌ مِن جنودِ اللهٍ، يرحمُ اللهُ بهِ مَن يشاءُ، ويعذبُ بهِ مَن يشاءُ.
(4) عليكُم بالطاعةِ، والصدقةِ، واحذرُوا الذنوبَ.
(5) وسائلُ الحفاظِ على الماءِ.
(6) استغلالُ وقتِ الفراغِ، والإجازةِ الصيفيةِ.
ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 1 أغسطس 2025م بعنوان: نِعْمَةُ الْمَاءِ مُقَوِّمٌ أَسَاسَ الْحَيَاةِ ، للدكتور محروس حفظي : كما يلي:
خطبة بعنوان: «نعمةُ الماءِ مُقوِّمٌ أساسَ الحياةِ»
بتاريخ 7 صفر 1447 هـ = الموافق 1 أغسطس 2025 م
الحمدُ للهِ حمداً يُوافِي نعمَهُ، ويُكافِىءُ مزيدَهُ، لكَ الحمدُ كما ينبغِي لجلالِ وجهِكَ، ولعظيمِ سلطانِكَ، والصلاةُ والسلامُ الأتمانِ الأكملانِ على سيدِنَا مُحمدٍ ﷺ، أمَّا بعدُ ،،،
(1) تذكرْ أنَّ الماءَ آيةٌ ومنّةٌ كُبرَى:
*ذِكرُ الماءِ في القرآنِ الكريمِ: وردَ ذكرُ كلمتَيِ “ماء، الماء” في القرآنِ الكريمِ في “تسعٍ وخمسينَ آيةً”، ووردَ ذكرُ الماءِ في سياقاتٍ أُخرَى “ماءَكِ، ماءَهَا، ماؤُكُم، ماؤُهَا” “4” مرات، وبذلكَ فقدَ وردَ ذكرُ “الماءِ” بمشتقاتِهِ “مائةً وثلاثًا وستينَ” مرةً، وهذا يدلُّ على عظيمِ قدرِهَا في حياةِ البشريةِ؛ فهو سرُّ الوجودِ، وأرخصُ موجودٍ، وأغلَى مفقودٍ.
و”الماءُ” مِن النعيمِ الذي يُسألُ عنهُ العبدُ يومَ القيامةِ، {ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ} [التكاثر: 8]؛ ولذا كانَ النبيُّ ﷺ حفيًّا بتلكَ النعمةِ، يعظمُهَا ويشكرُهَا، فعَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِذَا أَكَلَ أَوْ شَرِبَ قَالَ: «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَطْعَمَ، وَسَقَى وَسَوَّغَهُ وَجَعَلَ لَهُ مَخْرَجًا» (رواه أبو داود).
وعن أَبي هُرَيْرَةَ قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: “إِنَّ أَوَّلَ مَا يُسْأَلُ عَنْهُ يَوْمَ القِيَامَةِ – يَعْنِي العَبْدَ مِنَ النَّعِيمِ- أَنْ يُقَالَ لَهُ: أَلَمْ نُصِحَّ لَكَ جِسْمَكَ، وَنُرْوِيَكَ مِنَ المَاءِ البَارِدِ” (رواه الترمذي).
*الماءُ يُستدلُّ بهِ على وجودِ الخالقِ، “الماءُ أصلُ الموجوداتِ”: {وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ ماءٍ} [النور: 45]، {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ} [الأنبياء: 30]، “فكلُّ شيءٍ حيّ بسببٍ مِن الماءِ، لا يحيَا دونَهُ، فيدخلُ فيهِ النباتُ والشجرُ والحيوانُ؛ لأنَّهُ مِن الماءِ صارَ نامياً، وصارَ فيهِ الرطوبةُ والخضرةُ، والنورُ والثمرُ، وهذا أدلُّ على القدرةِ، وأعظمُ في العبرةِ”. (محاسن التأويل للقاسمي، 7/191). وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ أَتَى النَّبِيَّ ﷺ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِذَا رَأَيْتُكَ طَابَتْ نَفْسِي، وَقَرَّتْ عَيْنِي فَأَنْبِئْنِي عَنْ كُلِّ شَيْءٍ فَقَالَ:«كُلُّ شَيْءٍ خُلِقَ مِنْ مَاءٍ» (رواه أحمد).
قالَ الإمامُ الفخرُ الرازِي: (فإنْ قِيلَ: لماذَا نُكّرَ الماءُ في “الآيةِ الأولَى”، وجاءَ مُعرَّفاً في “الآيةِ الثانيةِ”؟ والجوابُ: إنّمَا جاءَ مُنكراً؛ لأنَّ المعنَى، أنّهُ خلقَ كلَّ دابةٍ مِن نوعٍ مِن الماءِ يختصُّ بتلكَ الدابةِ، وإنَّمَا جاءَ مُعرَّفاً؛ لأنَّ المقصودَ هناكَ، كونهُم مخلوقينَ مِن هذا الجنسِ، وهاهنَا بيانٌ أنَّ ذلكَ الجنسَ ينقسمُ إلى أنواعٍ كثيرةٍ) أ.ه. (مفاتيح الغيب).
قالَ الطاهرُ بنُ عاشورٍ: (زِيَادَةُ اسْتِدْلَالٍ بِمَا هُوَ أَظْهَرُ لِرُؤْيَةِ الْأَبْصَارِ، وَفِيهِ عِبْرَةٌ لِلنَّاسِ فِي أَكْثَرِ أَحْوَالِهِ، وَهُوَ عِبْرَةٌ لِلْمُتَأَمِّلِينَ فِي دَقَائِقِهِ فِي تَكْوِينِ الْحَيَوَانِ مِنَ الرُّطُوبَاتِ، وَهِيَ تَكْوِينُ التَّنَاسُلِ، وَتَكْوِينُ جَمِيعِ الْحَيَوَانِ؛ فَإِنَّهُ لَا يَتَكَوَّنُ إِلَّا مِنَ الرُّطُوبَةِ، وَلَا يَعِيشُ إِلَّا مُلَابِسًا لَهَا، فَإِذَا انْعَدَمَتْ مِنْهُ الرُّطُوبَةُ فَقَدَ الْحَيَاةَ؛ وَلِذَلِكَ كَانَ اسْتِمْرَارُ الْحُمَّى مُفْضِيًا إِلَى الْهُزَالِ ثُمَّ إِلَى الْمَوْتِ) أ.ه.
*الماءُ منَّةٌ كُبرَى نغفلُ عنهَا أحياناً: الخَلقُ تَعوَّدُوا وجودَ النعمةِ وأَلِفُوهَا حتى إنَّهُم قد نسُوا شكرَهَا، فهي دائماً حاضرةٌ بينَ أيديهِم، ولذا لو فقدتْ قليلاً، حينهَا يدركونَ عظيمَ فضلِ اللهِ عليهِم، {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ} [الملك: 30]، وكذا عذوبةُ الماءِ، فلو كان مِلحاً أُجاجاً، فمَن يستسيغُهُ وينتفعُ بهِ، {أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ * أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ * لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ} [الواقعة: 68: 70]، فتذكرْهَا ، وانظرْ حالَ مَن حرمَهَا.
*شربةُ ماءٍ لا تُساوي المُلكَ العظيمَ: دخلَ “ابنُ السّماكِ على هارونَ الرشيدِ، فاستدعَى هارونُ ماءً في كوزٍ ليشربَ، قال ابنُ السّماكِ: أسألُكَ باللهِ ألاَّ تشربَ حتى أسألكَ، قال: سلْ، قال: باللهِ لو منعوكَ هذه الشربةَ، أكنتَ مفتديهَا بنصفِ مُلكِكَ؟ قال: إيِ واللهِ- وإلَّا فماذَا يفيدُ الإنسانُ أنْ يموتَ ويتركُ ملكَهُ وراءَهُ- فشربَ، قال: أسألُكَ باللهِ لو مُنعْتَ إخراجَ هذه الشربةِ، أتخرجُهَا بنصفِ ملكِكَ؟ قال: إيِ واللهِ، قال: لا خيرَ في ملكٍ لا يُساوي شربةَ ماءٍ وإخراجهَا” أ.ه. (إحياء علوم الدين، 4/124).
(2) سَقيُ الماءِ مِن أعظمِ القرباتِ: تعظيماً لدورِ الماءِ، كانت عبادةُ “سقيِ الماءِ” مِن أجلِّ القرباتِ، وأعظمِ المنجياتِ في العرصاتِ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: “يَصُفُّ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ صُفُوفًا- وَقَالَ: ابْنُ نُمَيْرٍ أَهْلُ الْجَنَّةِ – فَيَمُرُّ الرَّجُلُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ عَلَى الرَّجُلِ فَيَقُولُ: يَا فُلَانُ أَمَا تَذْكُرُ يَوْمَ اسْتَسْقَيْتَ فَسَقَيْتُكَ شَرْبَةً؟ قَالَ: فَيَشْفَعُ لَهُ، وَيَمُرُّ الرَّجُلُ فَيَقُولُ: أَمَا تَذْكُرُ يَوْمَ نَاوَلْتُكَ طَهُورًا؟ فَيَشْفَعُ لَهُ” (رواه ابن ماجه). وعن جابرٍ قالَ: سمعتُ رسولَ اللهِ ﷺ يقولُ:«مَنْ حَفَرَ مَاءً لَمْ يَشْرَبْ مِنْهُ كَبِدٌ حَرَّى مِنْ جِنٍّ وَلاَ إِنْسٍ وَلاَ طَائِرٍ إِلاَّ آجَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ». (رواه ابن خزيمة).
قال ابنُ عباسٍ رضيَ اللهُ عنهُ: “حينَ سُئِلَ عن أفضلِ الصَّدَقةِ، قالَ: الماء، “ألم تروا إلى أهلِ النارِ حينَ استغاثُوا بأهلِ الجنةِ ﴿أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ﴾”، وعَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ أُمَّ سَعْدٍ كَانَتْ تُحِبُّ الصَّدَقَةَ، أَفَيَنْفَعُهَا أَنْ أَتَصَدَّقَ عَنْهَا؟ قَالَ ﷺ: “نَعَمْ، وَعَلَيْكَ بِالْمَاءِ”. (روا الطبراني في الأوسط) .
قال الإمامُ القرطبيُّ تعقيباً على الآيةِ السابقةِ: (فِي هَذِهِ الْآيَةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ سَقْيَ الْمَاءِ مِنْ أَفْضَلِ الْأَعْمَالِ، وَقَدْ قَالَ بَعْضُ التَّابِعِينَ: مَنْ كَثُرَتْ ذُنُوبُهُ، فَعَلَيْهِ بِسَقْيِ الْمَاءِ، وَقَدْ غَفَرَ اللَّهُ ذُنُوبَ الَّذِي سَقَى الْكَلْبَ، فَكَيْفَ بِمَنْ سَقَى رَجُلًا مُؤْمِنًا مُوَحِّدًا وَأَحْيَاهُ، وَعَكْسُ هَذَا مَا رَوَاهُ مُسْلِمٍ من امرأة عُذِّبَتِ امْرَأَةٌ فِي هِرَّةٍ سَجَنَتْهَا حَتَّى مَاتَتْ فَدَخَلَتْ فِيهَا النَّارَ لَا هِيَ أَطْعَمَتْهَا وَسَقَتْهَا إِذْ هِيَ حَبَسَتْهَا وَلَا هِيَ تَرَكَتْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الأرض) أ.ه. (الجامع لأحكام القرآن، 7 / 216) .
ولذا نهَى الشارعُ عن منعِ الماءِ عن المحتاجينَ إليهِ، وتوعدَ المانعينَ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ:”ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمْ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ،… وَرَجُلٌ مَنَعَ فَضْلَ مَاءٍ فَيَقُولُ اللَّهُ الْيَوْمَ أَمْنَعُكَ فَضْلِي كَمَا مَنَعْتَ فَضْلَ مَا لَمْ تَعْمَلْ يَدَاكَ” (متفق عليه).
(3) “الماءُ” جندٌ مِن جنودِ اللهِ، يرحمُ اللهُ بهِ مَن يشاءُ، ويعذبُ بهِ مَن يشاءُ: رحمَ اللهُ بالماءِ نوحًا – عليهِ السلامُ-، ونجَّاهُ ومَن آمنَ بهِ على ظهرِ السفينةِ، {فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ* وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرْ} [القمر: 11: 12]، وحملَ الماءُ موسَى – عليهِ السلامُ- الرضيعَ وهو في التابوتِ، {أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ} [طه: 39]، ورُحِمَ بهِ أيضاً وقومُهُ لَمَّا استسقوهُ، {وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ} [البقرة: 60]، ورُحِمَ بهِ سيدُنَا مُحمدٌ ﷺ وصحبُهُ الكِرامُ يومَ بَدْرٍ، وثبتَهُم وربطَ على قلوبِهِم، وطهرَهُم ظاهراً وباطناً، {وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ} [الأنفال: 11].
وعذَّبَ اللهُ بالماءِ أقوامًا، فأغرقَ بالماءِ قومَ نوحٍ لمَّا خالفُوا أمرَهُ، وأغرقَ بهِ فرعونَ وجندَهُ، {أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ} [الشعراء: 63]، وأغرقَ قومَ سبأٍ بالسيلِ العَرِمِ، {فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ} [سبأ: 16].
(4) عليكُم بالطاعةِ، والصدقةِ، واحذرُوا الذنوبَ والمعاصِي: أداءُ الزكاةِ والصدقاتِ، سببٌ عظيمٌ في نزولِ الغيثِ مِن السماءِ، وإدرارِ الأرزاقِ على العبادِ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: “بَيْنَما رَجُلٌ بِفَلَاةٍ مِنَ الْأَرْضِ، فَسَمِعَ صَوْتًا فِي سَحَابَةٍ: اسْقِ حَدِيقَةَ فُلَانٍ، فَتَنَحَّى ذَلِكَ السَّحَابُ، فَأَفْرَغَ مَاءَهُ فِي حَرَّةٍ – أرض بها حجارة سوداء-، فَإِذَا شَرْجَةٌ – مسيل الماء- مِنْ تِلْكَ الشِّرَاجِ قَدِ اسْتَوْعَبَتْ ذَلِكَ الْمَاءَ كُلَّهُ، فَتَتَبَّعَ الْمَاءَ، فَإِذَا رَجُلٌ قَائِمٌ فِي حَدِيقَتِهِ يُحَوِّلُ الْمَاءَ بِمِسْحَاتِهِ، فَقَالَ لَهُ: يَا عَبْدَ اللهِ مَا اسْمُكَ؟ قَالَ: فُلَانٌ- لِلِاسْمِ الَّذِي سَمِعَ فِي السَّحَابَةِ- فَقَالَ لَهُ: يَا عَبْدَ اللهِ لِمَ تَسْأَلُنِي عَنِ اسْمِي؟ فَقَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ صَوْتًا فِي السَّحَابِ الَّذِي هَذَا مَاؤُهُ يَقُولُ: اسْقِ حَدِيقَةَ فُلَانٍ، لِاسْمِكَ، فَمَا تَصْنَعُ فِيهَا؟ قَالَ: أَمَّا إِذْ قُلْتَ هَذَا، فَإِنِّي أَنْظُرُ إِلَى مَا يَخْرُجُ مِنْهَا، فَأَتَصَدَّقُ بِثُلُثِهِ، وَآكُلُ أَنَا وَعِيَالِي ثُلُثًا، وَأَرُدُّ فِيهَا ثُلُثَهُ” (رواه مسلم).
واحذرُوا التلاعبَ في تطفيفِ المكيالِ والميزانِ: قال مجاهدٌ: “دوابُّ الأرضِ، العقاربُ، والخنافسُ، يقولونَ: مُنِعنَا القطرَ بخطايَا بنِي آدمَ” [رواه ابن أبي حاتم والطبري]، وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: أَقْبَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ ، فَقَالَ: “يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ خَمْسٌ إِذَا ابْتُلِيتُمْ بِهِنَّ، وَأَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ تُدْرِكُوهُنَّ:”وَلَمْ يَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ، إِلَّا أُخِذُوا بِالسِّنِينَ، وَشِدَّةِ الْمَئُونَةِ، وَجَوْرِ السُّلْطَانِ عَلَيْهِمْ” (رواه ابن ماجه).
وقد عاقبَ اللهُ قومَ فرعونَ بالجدبِ، وحبسِ الماءِ؛ لعلهُم ينتهون، {وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَرُونَ} [الأعراف: 130]، كما دعَا النبيُّ ﷺ على قريشٍ لمَّا تعنتُوا حتى اشتدَّ الجدبُ عليهِم، فعن ابنِ مسعودٍ قالَ: “إِنَّ قُرَيْشًا لَمَّا غَلَبُوا النَّبِيَّ ﷺ وَاسْتَعْصَوْا عَلَيْهِ، قَالَ: “اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَيْهِمْ بِسَبْعٍ كَسَبْعِ يُوسُفَ، فَأَخَذَتْهُمْ سَنَةٌ أَكَلُوا فِيهَا العِظَامَ وَالمَيْتَةَ مِنَ الجَهْدِ حَتَّى جَعَلَ أَحَدُهُمْ يَرَى مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ السَّمَاءِ كَهَيْئَةِ الدُّخَانِ مِنَ الجُوعِ، قَالُوا: ﴿رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا العَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ﴾ فَقِيلَ لَهُ: إِنْ كَشَفْنَا عَنْهُم عَادُوا، فَدَعَا رَبَّهُ فَكَشَفَ عَنْهُمْ فَعَادُوا، فَانْتَقَمَ اللَّهُ مِنْهُمْ يَوْمَ بَدْرٍ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ:﴿فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ﴾ إِلَى قَوْلِهِ جَلَّ ذِكْرُهُ ﴿إِنَّا مُنْتَقِمُونَ﴾ (رواه البخاري).
ومنعُ إخراجِ الزكاةِ المفروضةِ: هو سببٌ مباشرٌ لمنعِ القطرِ مِن السماءِ فعندمَا يحدثُ خللٌ في فريضةِ الزكاةِ، ويضنُّ الأغنياءُ على الفقراءِ والأيتامِ، ينشأُ عدمُ التوازنِ داخلَ المجتمعاتِ، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: أَقْبَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ ، فَقَالَ: “يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ خَمْسٌ إِذَا ابْتُلِيتُمْ بِهِنَّ، وَأَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ تُدْرِكُوهُنَّ: .. وَلَمْ يَمْنَعُوا زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ، إِلَّا مُنِعُوا الْقَطْرَ مِنَ السَّمَاءِ، وَلَوْلَا الْبَهَائِمُ لَمْ يُمْطَرُوا” (رواه ابن ماجه).
(5) وسائلُ الحفاظِ على الماءِ: الماءُ مِن الملكيةِ العامّةِ، وحقٌّ للأجيالِ القادمةِ، وهذا ما قررَهُ النبيُّ ﷺ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: “ثَلَاثٌ لَا يُمْنَعْنَ: الْمَاءُ، وَالْكَلَأُ، وَالنَّارُ” (رواه ابن ماجه)، وعَنْ أَبِي خِدَاشٍ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ:”الْمُسْلِمُونَ شُرَكَاءُ فِي ثَلَاثٍ: الْمَاءِ وَالْكَلَإِ وَالنَّارِ” (رواه أحمد)، ومِن ثمَّ وجبَ المحافظةُ عليهِ، والتعاونُ مع الجهاتِ المعنيةِ، {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2].
وقد راعَى الشارعُ ما قد يحدثُ مِن قلةِ الماءِ عبرَ العصورِ، فأوجدتْ بديلاً مِن الطهارةِ بالماءِ؛ حفاظاً عليهِ، فشُرِعَ التيممُ مع عدمِ وجودِ الماءِ، أو مع قلتِهِ، يقولُ ابنُ عابدين : ( أنَّ الماءَ المستحقَّ بصرفِهِ إلى العطشِ كان كالمعدومِ، وجازَ عندَهُ التيمُ) أ.ه. (رد المحتار على الدر المختار، 2/262).
أولاً: يحرمُ سرقةُ الماءِ، أو التلاعبُ بهِ: وفعلُهُ يوجبُ الإثمَ والعقوبةَ، وعلى مَن قامَ بهَا التوبةُ، ويردُّ قيمةَ ما أخذَ، وإنْ تقادمَ عليهِ الزمنُ؛ لأنّهُ غلولٌ، وفيهِ تعدٍّ على المالِ العامِّ، {وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} [آل عمران: 161]. وعَنْ خَوْلَةَ الأَنْصَارِيَّةِ قَالَتْ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ ﷺ ، يَقُولُ: «إِنَّ رِجَالًا يَتَخَوَّضُونَ فِي مَالِ اللَّهِ بِغَيْرِ حَقٍّ، فَلَهُمُ النَّارُ يَوْمَ القِيَامَةِ» (رواه البخاري). أي: “يشرعونَ ويتصرفونَ في بيتِ مالِ المسلمين”.
ثانياً: الاقتصادُ في الاستعمالِ: المــاءُ نعمةٌ تحتاجُ إلى الشكرِ، ولا يقتصرُ ذلكَ على اللسانِ، بل يتعدَّاهُ إلى حسنِ التصرفِ فيهِ، فأيُّ إسرافٍ في استخدامِ الماءِ هو تصرفٌ سيءٌ، وسلوكٌ غيرُ رشيدٍ، حيثُ نهَى القرآنُ المجيدُ عن الإسرافِ في الشربِ، {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [الأعراف: 31]؛ وإذا كانَ الإسرافُ لِلشُّربِ مَنْهياً عنهُ، فإِنَّ استعمالَهُ بإسرافٍ في مجالاتٍ أُخرَى أشدُّ حظراً.
وقد توقعَ النبيُّ ﷺ الإسرافَ الحاصلَ اليوم، فعن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ قال سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: «إِنَّهُ سَيَكُونُ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ قَوْمٌ يَعْتَدُونَ فِي الطَّهُورِ وَالدُّعَاءِ» (رواه أبو داود).
قال الهرويُّ: ( والاعتداءُ في الطهورِ استعمالُهُ فوقَ الحاجةِ، والمبالغةُ في تحرِّي طهوريتِهِ حتى يفضِي إلى الوساوسِ) أ.ه. مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح، (2/416).
*النهيُ عن إسرافِ الماءِ في الوضوءِ: الاقتصادُ في الماءِ مأمورٌ بهِ ولو كان أثناءَ العبادةِ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ:«كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يَتَوَضَّأُ بِالْمُدِّ، وَيَغْتَسِلُ بِالصَّاعِ إِلَى خَمْسَةِ أَمْدَادٍ» (متفق عليه)، والمُدُّ مِلءُ اليدينِ المُتوسطتينِ، والمدُّ يساوِي (687 ملليلتر ماء)، والصاعُ يساوِي (2.75 لتر ماء).
قال الشوكانِيُّ- تعقيباً على هذا الحديثِ-: (وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى كَرَاهَةِ الْإِسْرَافِ فِي الْمَاءِ وَالْغُسْلِ وَالْوُضُوءِ، وَاسْتِحْبَابِ الِاقْتِصَادِ؛ وَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى النَّهْيِ عَنْ الْإِسْرَافِ فِي الْمَاءِ وَلَوْ كَانَ عَلَى شَاطِئِ النَّهْرِ، قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ: إنَّهُ حَرَامٌ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ إنَّهُ مَكْرُوهٌ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ). أ.ه. (نيل الأوطار).
وفي الوضوءِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ مَرَّ بِسَعْدٍ، وَهُوَ يَتَوَضَّأُ، فَقَالَ: «مَا هَذَا السَّرَفُ» فَقَالَ: أَفِي الْوُضُوءِ إِسْرَافٌ، قَالَ: «نَعَمْ، وَإِنْ كُنْتَ عَلَى نَهَرٍ جَارٍ» (رواه ابن ماجه). وعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ يَسْأَلُهُ عَنِ الْوُضُوءِ، فَأَرَاهُ الْوُضُوءَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا ثُمَّ قَالَ:«هَكَذَا الْوُضُوءُ، فَمَنْ زَادَ عَلَى هَذَا فَقَدْ أَسَاءَ وَتَعَدَّى وَظَلَمَ» (رواه النسائي)، وإذا كان هذا في حالِ العبادةِ، فما ظنُّكَ بما دونِهَا الذي تضيعُ معهُ كمياتٌ كبيرةٌ مِن الماءِ؟!.
قَالَ الإمامُ البخارِيُّ: (وَكَرِهَ أَهْلُ العِلْمِ الإِسْرَافَ فِيهِ، وَأَنْ يُجَاوِزُوا فِعْلَ النَّبِيِّ ﷺ) أ.ه.، وفي قولِ الإمامِ البخارِي – رضي اللهُ عنه- إشارةٌ إلى نقلِ الإجماعِ عن العلماءِ في كراهيةِ الزيادةِ في صفةِ الوضوءِ.
*النهيُ عن إسرافِ الماءِ في الاغتسالِ خاصةً في فصلِ الصيفِ: بل في غيرِ العبادةِ أولَى، فعن عَائِشَةَ: «أَنَّهَا كَانَتْ تَغْتَسِلُ هِيَ وَالنَّبِيُّ ﷺ فِي إِنَاءٍ وَاحِدٍ، يَسَعُ ثَلَاثَةَ أَمْدَادٍ أَوْ قَرِيبًا مِنْ ذَلِكَ» (رواه مسلم).
ولذا شدّدَ الصحابةُ ومَن بعدهُم في التحذيرِ مِن الإسرافِ بالماءِ، فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَجُلٌ: كَمْ يَكْفِينِي مِنَ الوُضُوءِ؟ قَالَ: مُدٌّ. قَالَ: كَمْ يَكْفِينِي لِلغُسْلِ؟ قَالَ: صَاعٌ، قَالَ: فَقَالَ الرَّجُلُ: لَا يَكْفِينِي. قَالَ: لَا أُمَّ لَكَ «قَدْ كَفَى مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْكَ، رَسُولَ اللَّهِ ﷺ » (رواه أحمد والبزار والطبراني بسند رجاله ثقات).
قالَ الإمامُ ابنُ بطالٍ: (وإنّمَا قصدَ بهِ التنبيهَ على فضيلةِ الاقتصادِ، وتركِ السرفِ، والمستحبُّ لِمَن يقدرُ على الإسباغِ بالقليلِ أنْ يقللَ، ولا يزيدُ على ذلكَ؛ لأنَّ السرفَ ممنوعٌ فى الشريعةِ) أ.ه. (شرح صحيح البخارى لابن بطال، 1/303).
لذا ينبغِي الحفاظُ على المياهِ، ومصادرِهَا مِن الهدرِ والضياعِ، والاستعانةُ بتقنيةِ الترشيدِ في البيوتِ، والاستفادةُ مِن المياهِ المسـتخدمةِ في الوضوءِ ونحوهِ في سقيِ المزروعاتِ والمسطحاتِ، فالأممُ تحفظُ مجدَهَا بالحفاظِ على ثرواتِهَا مواردِهَا.
– وقد اتفقت كلمةُ الفقهاءِ على “كراهيةِ الإسرافِ في الوضوءِ والغسلِ”:
قال ابنُ أبي زيدٍ القيروانِي: (وقلةُ الماءِ مِن أحكامِ الغسلِ سنةٌ، والسرفُ منهُ غلوٌّ وبدعةٌ) أ.ه. (الرسالة، 1/12، 13).
ثالثاً: النهيُ عن تلويثِ المياهِ بأيِّ وسيلةٍ كانت: نهرُ النيلِ يستلزمُ منَّا عدمُ تلويثهِ بأيِّ وسيلةٍ؛ لأنّهُ أحدُ أنهارِ الجنةِ، فعَنْ مَالِكِ بْنِ صَعْصَعَةَ قَالَ: قال النبي ﷺ: “..، رَأَى أَرْبَعَةَ أَنْهَارٍ يَخْرُجُ مِنْ أَصْلِهَا نَهْرَانِ ظَاهِرَانِ، وَنَهْرَانِ بَاطِنَانِ، فَقُلْتُ: يَا جِبْرِيلُ، مَا هَذِهِ الْأَنْهَارُ؟ قَالَ: أَمَّا النَّهْرَانِ الْبَاطِنَانِ فَنَهْرَانِ فِي الْجَنَّةِ، وَأَمَّا الظَّاهِرَانِ: فَالنِّيلُ وَالْفُرَاتُ” (رواه مسلم).
وقد جاءَ التحذيرُ مِن البولِ في المياهِ الراكدةِ؛ لأنَّهَا مرتعٌ خصبٌ للميكروباتِ والجراثيمِ، فقد أثبتت الأبحاثُ العلميةُ أنَّ هناكَ عديدًا مِن الطفيلياتِ تنتقلُ عن طريقِ المياهِ الملوثةِ، مثل: الكوليرا، والتيفويد، والبلهارسيا، وغيرهَا مِن الطفيلياتِ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ ثُمَّ يَغْتَسِلُ مِنْهُ» (رواه مسلم).
رابعاً: الإقلاعُ عن المعاصِي، والإكثارُ مِن الاستغفارِ: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ ، قَالَ: “قَالَ رَبُّكُمْ: لَوْ أَنَّ عِبَادِي أَطَاعُونِي، لَأَسْقَيْتُهُمُ الْمَطَرَ بِاللَّيْلِ، وَأَطْلَعْتُ عَلَيْهِمُ الشَّمْسَ بِالنَّهَارِ، وَلَمَا أَسْمَعْتُهُمْ صَوْتَ الرَّعْدِ” (رواه أحمد).
وعَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: “خَرَجَ عُمَرُ يَسْتَسْقِي بِالنَّاسِ، فَمَا زَادَ عَلَى الِاسْتِغْفَارِ حَتَّى رَجَعَ، قَالُوا: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَا نَرَاكَ اسْتَسْقَيْتَ؟ قَالَ: لَقَدْ طَلَبْتُ الْمَطَرَ بِمُجَادِيحِ السَّمَاءِ الَّتِي يُسْتَنْزَلُ بِهَا الْمَطَرُ ثُمَّ قَالَ:{اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا* يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا}، وَقَرَأَ الْآيَةَ الَّتِي فِي “هُودٍ” حَتَّى بَلَغَ:{وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ} [هود: 52]”. (رواه البيهقي في “السنن الكبرى”).
قال الشوكانِيُّ- تعقيباً على هذا الأثرِ-: (وَاسْتَدَلَّ عُمَرُ بِالْآيَتَيْنِ عَلَى أَنَّ الِاسْتِغْفَارَ الَّذِي ظَنَّ أَنَّ الِاقْتِصَارَ عَلَيْهِ لَا يَكُونُ اسْتِسْقَاءً مِنْ أَعْظَمِ الْأَسْبَابِ الَّتِي يَحْصُلُ عِنْدَهَا الْمَطَرُ وَالْخِصْبُ؛ لِأَنَّ اللَّهَ-جَلَّ جَلَالُهُ- قَدْ وَعَدَ عِبَادَهُ بِذَلِكَ، وَهُوَ لَا يُخْلِفُ الْوَعْدَ وَلَكِنْ إذَا كَانَ الِاسْتِغْفَارُ وَاقِعًا مِنْ صَمِيمِ الْقَلْبِ، وَتَطَابَقَ عَلَيْهِ الظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ، وَذَلِكَ مِمَّا يَقِلُّ وُقُوعُهُ). (نيل الأوطار).
(6) استغلالُ وقتِ الفراغِ، والإجازةِ الصيفيةِ: الوقتُ هو رأسُ مالِ الإنسانِ في هذه الحياةِ، ومَن فرّطَ في وقتِهِ ولم يستغلَّهُ على الوجهِ الأمثلِ يكونُ قد خسرَ خسراناً كبيراً، وحُرِمَ الأجرَ، ولذا أمرَنَا النبيُّ ﷺ بضرورةِ اغتنامِ وقتِ الفراغِ، فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ لِرَجُلٍ وَهُوَ يَعِظُهُ: «اغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ: شَبَابَكَ قَبْلَ هِرَمِكَ، وَصِحَّتَكَ قَبْلَ سَقَمِكَ، وَغِنَاءَكَ قَبْلَ فَقْرِكَ، وَفَرَاغَكَ قَبْلَ شُغْلِكَ، وَحَيَاتَكَ قَبْلَ مَوْتِكَ». (رواه الْحَاكِم).
– كلُّ شيءٍ مِن حولِ الإنسانِ يذكرُهُ بقيمةِ الوقتِ الذي يعيشُهُ، فطلوعُ الشمسِ وغروبُهَا، والقمرُ الذي قدرَهُ اللهُ منازلَ، وحركةُ الكونِ بمَا فيهِ، فكلُّ هذه الأشياءِ تذكرُ العبدَ بقيمةِ الزمنِ الذي هو رأسُ مالِهِ، فهل شعرنَا بذلكَ، وهل قدمنَا مِن الأعمالِ ما يؤهلُنَا للفوزِ برضوانِ اللهِ يومَ القيامةِ، وما بهِ تُعمرُ الحياةُ، وما بهِ يُخلدُ ذكرُنَا، وصدقَ القائلُ:
لا دارَ لِلمَرءِ بَعدَ المَوتِ يَسكُنُها … إِلّا الَّتي كانَ قَبلَ المَوتِ بَانِيْهَا
فَإِن بَناها بِخَيرٍ طابَ مَسكَنُها … وَإِن بَناها بَشَرٍّ خابَ بَانِيْهَا
– لقد اختلفَ البشرُ في استغالالِهِم للوقتِ، فمنهُم مَن يضيعُ عُمرَهُ بحثاً عن شهوةٍ زائلةٍ فانيةٍ، ومنهُم مَن يعمرُ وقتَهُ بالغيبةِ والنميمةِ والقيلِ والقال، وقليلٌ منهُم مَن عرفَ قيمةَ وقتِهِ، فحدّدَ هدفَهُ، وبذلَ جهدَهُ لتحقيقِهِ، وعملَ على تحسينِ مهاراتِهِ، فعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ:«إِنَّمَا الْعِلْمُ بِالتَّعَلُّمِ، وَالْحِلْمُ بِالتَّحَلُّمِ، وَمَنْ يَتَحَرَّ الْخَيْرَ يُعْطَهُ، وَمَنْ يَتَّقِ الشَّرَّ يُوَقَّهُ» (شعب الإيمان).
– وقد حرصَ الصحابةُ ومَن بعدهُم على استغلالِ أوقاتِهِم، فمنهُم مَن اشتغلَ بالعلمِ والفتوَى، وتعليمِ الناسِ أمورَ دينِهِم، ومنهُم مَن اشتغلَ بقضاءِ مصالحِ الخلقِ، ومنهُم مَن تفرّغَ للعبادةِ، ومنهُم مَن اشتغلَ بفتحِ البلدانِ … إلخ، فاستعملُوا أوقاتَهُم فيمَا يفيدُهُم، ويعودُ عليهِم بخيريِ الدنيا والآخرةِ، ولذا أُثِرَ عنهُم ما يدلُّ على ذلكَ يقُولُ ابْنُ عُمَرَ:«إِذَا أَمْسَيْتَ فَلاَ تَنْتَظِرِ الصَّبَاحَ، وَإِذَا أَصْبَحْتَ فَلاَ تَنْتَظِرِ المَسَاءَ، وَخُذْ مِنْ صِحَّتِكَ لِمَرَضِكَ، وَمِنْ حَيَاتِكَ لِمَوْتِكَ» (رواه البخاري)، وقال ابْن مَسْعُودٍ: «إِنِّي لَأَمْقُتُ الرَّجُلَ أَنْ أَرَاهُ فَارِغًا لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ عَمَلِ الدُّنْيَا، وَلَا عَمَلِ الْآخِرَةِ»، ويقول أيضاً: «مَا نَدِمْتُ عَلَى شَيْءٍ نَدَمِي عَلَى يَوْمِ غَرَبَتْ شَمْسُه نَقَصَ فِيهِ أَجْلِي، وَلَمْ يَزْدَدْ فِيهِ عَمَلِي». (رواه ابْن أَبِي شَيْبَة) .
– إنَّ وقتَ الفراغِ نعمةٌ يستوجبُ مِن العبدِ استغلالهَا وسدهَا بمَا ينفعُهُ، فالإنسانُ لا يعرفُ بقيمتِهَا إلَّا عندَما تُسلبُ منهُ، ولذا يجبُ عليهِ ألَّا يدع وقتَ فراغِهِ يمرُّ دونَ تزويدِ رصيدِهِ مِن الأعمالِ الصالحةِ، فالنفسُ البشريةُ إذا لم تُشغلْ بالطاعةِ شُغلتْ بالمعصيةِ.
وقد وجهنَا دينُنَا إلى كيفيةِ ملءِ وقتِ الفراغِ، فعن أبي هريرةَ قال: قال رسولُ اللهِ ﷺ: «مَن سرَّهُ أن يُبسطَ لَه في رزقِهِ ، وأن يُنسَأَ لَه في أثرِهِ ، فليَصِلْ رَحِمَهُ» (رواه البخاري)، إلى جانبِ المحافظةِ على قراءةِ القرآنِ، والأذكارِ، ومطالعةِ الكتبِ المختلفةِ حيثُ لا تكلفُ الإنسانَ مالاً ولا جهداً، وممارسةِ أنواعِ الرياضةِ المختلفةِ، وينبغِي أنْ ينوعَ في الأعمالِ التي يباشرُهَا؛ إذ النفسُ بطبيعتِهَا سريعةُ المللٍ، وتنفرُ مِن الشيءِ المكررِ، وهذا منهجٌ نبويٌّ وأسلوبٌ تربويٌّ، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ:«كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَتَخَوَّلُنَا بِالمَوْعِظَةِ فِي الأَيَّامِ مَخَافَةَ السَّآمَةِ عَلَيْنَا» (رواه البخاري)، مع ضرورةِ تجنبِ الألعابِ التي تضيعُ الوقتَ والمالَ.
نسألُ اللهَ أنْ يرزقَنَا حسنَ العملِ، وفضلَ القبولِ، إنّهُ أكرمُ مسؤولٍ، وأعظمُ مأمولٍ، وأنْ يجعلَ بلدَنَا مِصْرَ سخاءً رخاءً، أمناً أماناً، سلماً سلاماً وسائرَ بلادِ العالمين، ووفقْ ولاةَ أُمورِنَا لِمَا فيهِ نفعُ البلادِ والعبادِ.
كتبه: الفقير إلى عفو ربه الحنان المنان
د / محروس رمضان حفظي عبد العال
مدرس التفسير وعلوم القرآن – كلية أصول الدين والدعوة – أسيوط
_____________________________________
للإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة
وللمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف